- وفي المزارع تُغير التكنولوجيا طريقة زراعة الأرض وتربية الماشية من خلال وسائل مثل استخدام أنظمة تحديد المواقع الجغرافية المُعتمدة على الأقمار الاصطناعية، وأجهزة الاستشعار التي تقيس مستويات المياه والمُغذيات في التربة. وتسمح هذه التكنولوجيا للجرارات وآلات البذر والحصاد بتحديد المحاصيل المُناسبة ومقدار الري والأسمدة اللازمين. ولاحقًا سيسمح تقدم هذه التكنولوجيا للمُعدات باتخاذ قرارات تختلف من متر إلى آخر من الأرض الزراعية.
- وعلاوةً على ذلك، تتولى الروبوتات والآلات الكثير من مهام حصاد الخس والطماطم وغيرها في الصوبات الزراعية، وربما تحمل الماشية أدوات لمتابعة النشاط البدني لدراسة صحتها ونشاطها عن قرب. وتستعين صناعة الألبان بالفعل بمُعدات الحلب الآلي ومُعدات التغذية المتصلة بالحواسيب للتعامل مع حيوانات القطيع كلٍ على حدة.
- وتشهد علوم الوراثة للنباتات والحيوانات ثورةً تكنولوجية مُماثلة، ويقترب العلماء من التوصل لأدوات وراثية تسمح بتقييم الشفرات الوراثية للنباتات والحيوانات سريعًا وبتكلفة زهيدة، الأمر الذي سيُسهل تحديد النباتات والحيوانات القوية أو الأكثر إنتاجية على حدة.
- ويُمكن لهذه التكنولوجيا إلى جانب أساليب الزراعة والتربية التقليدية تسريع عمليات تحسين الصفات الوراثية للمحاصيل الزراعية والماشية. ويسعى “مركز جون إنس” John Innes Centre لأبحاث النبات والأحياء الدقيقة في المملكة المتحدة للتوصل إلى سلالة من الشعير تُنتج أسمدة الأمونيوم من خلال استخلاص النيتروجين من التربة، ما قد يُوفر للمزارعين تكلفة الأسمدة الصناعية.
- وبمقدور الجمع بين التكنولوجيا المستخدمة في المزارع وفي علوم الوراثة تعزيز إنتاج الزراعة الحديثة، وهو أمر بالغ الأهمية لتوفير ما يكفي من الطعام لعددٍ مُتنام من سكان العالم يُتوقع وصوله عشرة مليارات نسمة في عام 2050.
- ومع ذلك، تُمثل هذه التقنيات مُجرد بداية لقطاع الزراعة، ويتطلع الكثير من الخبراء إلى استخدام إنترنت الأشياء الذي يُشير إلى اتصال أجهزة وأشياء متنوعة مثل السيارات والمباني والمعدات معًا وتبادل البيانات فيما بينها، ويطمح العلماء إلى تأسيس ما يُعرف باسم “إنترنت الأشياء الحية” Internet of Living Things.
- وفي هذا التصور للمستقبل ستُنشيء أجهزة استشعار مُتقدمة في الحقول والمجاري المائية وأنظمة الري والجرارات والمُعدات الزراعية إلى جانب أنظمة تعلم الآلة وعلوم الوراثة ومنصات إدارة البيانات جيلًا جديدًا من تكنولوجيا الزراعة الذكية، يُمكنه استشعار البيئة المُحيطة والاستجابة لتغيرات بطريقة تُحقق إنتاجًا أكبر وتُقلل الآثار السلبية.
- لكن تكنولوجيا الزراعة تحمل معها نتائج سلبية، وخصوصًا للمناطق الأكثر فقرًا في العالم؛ إذ يظل تبني هذه التقنيات أقل أهمية كثيرًا بالمُقارنة مع توفير الرعاية الصحية والتعليم والحكم الرشيد والبنية التحتية الأساسية ورؤوس الأموال.
- وعلاوةً على ذلك، تتطلب الكثير من هذه التقنيات الاستعانة بقدرٍ أقل من العمالة البشرية. ومثلًا أعلنت شركة “سبريد” Spread اليابانية مؤخرًا خطتها لإنشاء مزرعة للخس تتولى الروبوتات القيام بأغلب المهام فيها. وبالنسبة للبلدان المُتقدمة قد يعني ذلك المزيد من تراجع الحياة الريفية.
- أما في دول العالم النامي في أفريقيا وجنوبي آسيا وأمريكا اللاتينية فتحظى العمالة الزرعية بأهمية أكبر في اقتصاداتها، وتتوافر فرص أقل للعمل في المناطق الحضرية، وبالتالي فإن تقليل الأيدي العاملة اللازمة للحقول قد يُقوض تأثير الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية وتقليل الفوارق الاقتصادية.
- وعلى غرار الخوف من التأثيرات السلبية لخدمات مثل “أوبر” والسيارات ذاتية القيادة على عمل سيارات الأجرة، هناك تساؤلات عما إذا كان الأمر نفسه سيحدث للمزارعين، وعن كيفية توافق المجتمعات الريفية وثقافتها وسط انتشار الجرارات المرتبطة بالأقمار الاصطناعية وروبوتات المزارع، وما سيفعله الناس للمقاومة في البلدان المعتمدة على العمل الزراعي. وعلى الرغم من أن إجابات هذه الأسئلة وغيرها ليست بالسهلة أو المُتاحة، إلا أن نتائجها ستُشكل المجتمع البشري خلال العقود المُقبلة.
شارك - موضوع يهمك